السبت، 28 أبريل 2018

(( سطور من أوراق الذاكرة )) * * * بقلم الاديب عبدالله محمد الحسن

.......((  سطور من أوراق الذاكرة  )).........

قصة قصيرة

عندما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية دخل علينا الفصل معلم اللغة العربية أستاذنا القدير
الأستاذ إبراهيم كسار الذي عرفناه شاعرا وإنسانا بكل ماتعنيه الكلمة من معنى
دخل الفصل بقامته الطويلة وبكتفيه العريضين وشعره الأجعد الأشيب ذو شاربين كثيفين بأنفه المتوسط
تعتليه نظارة طبية سميكة
دخل بخطواته الوءيدة مارا من جانب مقعدي
وقد خيم على الفصل سكون رهيب
شق الصمت بصوته الثخين مناديا عبدالله
وقفت مجيبا نعم أستاذ
قال أخرج كتاب قواعد النحو والمبادئ العامة وضعه لي على الطاولة
قلت حاضر
وعلى الفور نفذت ماأمرني به المعلم وتوجهت عائدا الى مقعدي وماكدت ألامس مقعدي حتى تذكرت أن بداخل الكتاب رسالة غرامية وقصيدة غزلية
كنت قد كتبتهما لإحدى زميلاتي بالمدرسة
توجه المعلم عندها إلى المنصة ليباشر درسه
فتمتمت غاضبا بكلمتين بلهجتي العامية ((  أكلنا هوا  ))
مما أثار فضول زميلي أحمد الذي يجلس بجانبي بنفس المقعد
قائلا بصوت منخفض مابك
قلت نسيت مكتوبا غراميا بكتاب النحو فعض على شفته السفلى متأسفا دون أن ينبس ببنت شفه
وراحت الأفكار السوداء تتدافع بمخيلتي ماذا سيفعل المعلم لو كشف الرسالة
ماذا سيكون مصيرك أيها العاشق الفاشل وأنا أرقب خطواته الثقيلة وكأنه يمشي على صفحات قلبي متوجها إلى المنصة
وصل المعلم جلس على مقعده خلف الطاولة
وأخذ بيده اليمنى الكتاب وراح يقلب بصفحاته حتى توقف وأخرج الرسالة وقام بفتحها وراح يقرأها بعينين جاحظتين
فأطال القراءة
وقد ساد بالفصل هدوء عجيب
وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة
وفجأة صرخ المعلم بصوت عال
دون أن يحول نظره عن الورقة
قائلا عبدالله
قلت نعم أستاذ
وقدماي لا يكادان يحملاني من شدة الخوف
قال المعلم تعال إلي
فخرجت ووقفت أمامه
وأنا بكامل استعدادي لتلقي الفضيحة والتوبيخ
قال اقترب...فاقتربت
قال أكثر
فاقتربت حتى ألتصق جسدي بمقدمة الطاولة
وانا أرقب عينيه المركزتين بالورقة من خلف عدسات نظارته
السميكة وشاربيه الكثيفين
وشفته السفلى الغليظة
فرفع رأسه ببطئ وألتقت عيني بعينيه حتى أحسست بأن قلبي سقط بين قدمي
فأومأ لي أن أقرب رأسي
فقربت رأسي حتى ألتصق وجهي بوجهه
فقال هذه كتابتك
قلت نعم
فأخفض من صوته قليلا
وقال هل تحبها
فأجبته بهزة خفيفة برأسي أي نعم
لأن عينيه لا يزالان مركزتين بعيني
ولم أصدق مارأيته عندما أفتر ثغره عن ابتسامة عريضة
فأخفض عينيه وراح يطوي الورقة كما كانت
عندها شعرت بأن غيمة الصيف ولت وانجلت
فهدأت عندها ثورة قلبي
وتهللت اساريري وراحت الطمأنينة تبث دفئها بأرجاء جسدي فمد يده وقال خذ
فأعطاني الورقة
قمت بدسها في جيب سترتي
وانا أقرأ في عينيه أزدحام لكلمات كثيرة تكتظ وتتراكم
فقطع تفكيري بصوت حنون
وقال أسمع ياشاعري الصغير
قلت نعم أستاذ
وقلبي يفيض حبا واحتراما له
وكأنه ملكني من رأسي إلى أخمص قدمي
قال أنت رائع
وأتمنى لك مستقبلا ناجحا
فنزع نظارته ومسح عدساتها بقطعة قماش صغيرة
ثم أعادها لمكانها
وتنهد تنهيدة حسرة وأردف قائلا
لكن أريد منك ياصغيري ان تعي شيئا واحدا
وأن تعلم بان الأنثى إن صادقت
تصادق فيلسوفا
وتعشق شاعرا
ولكنها لو أرادت الزواج حقا
فإنها ستتزوج غنيا إن توفر
وتبيع الأثنان
فليس كل من أحب تزوج بمن يحب
فإن أردت أن تكون ناجحا فلا تجعل الأنثى عقبة في حياتك
إن استطعت
فوقف على الفور وكتاب القواعد بكلتا يديه
وأومأ لي بأن أعود لمقعدي
فعدت بخطوات مثقلة وغيوم التعاسة تظللني
وشيئا من الحزن قد أستقر بوجداني قد قرأته بعيني معلمي
واستنبطته من من كلماته التي وجهها إلي كنصيحة
وعلمت بأن مأسأة كبيرة لا تزال تعشعش بأعماقه
ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا
لا زالت كلماته ترن في أذني
رحمك الله حيا وميتا أستاذي الوقور المحترم إبراهيم كسار
مع حبي وأحترامي وتقديري ووفائي.

بيروت  5/12/2017
بقلم عبدالله محمد الحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الا يا وطني.. * * * بقلم الشاعرة المتالقة ملاك شمس ناصر

الا يا وطني..  أنت الحلم عشقناك وطناً وعشقنا الألم بحجارتك ثوراتنا و زغاريد امهاتنا تشحذُ الهمم كلنا عروسك حبك ينشده المبسم بعزمك...