الثلاثاء، 26 يونيو 2018

الحجارة في الترتيب المقدّس..(1) * * * بقلم الشاعر والاديب لؤي بقاعي

الحجارة في الترتيب المقدّس..(1)

قبل مغيب الشمس وقبل أن تلوح في الأفق سطوة الرعاع المتسسلطون على منافذ الطرقات...وعلى الهضاب الكاشفة للحركة ...أيقن محمود أنّ عليه مغادرة أقاربه والسير سريعا نحو بيته الساكن بعيدا بأطراف ضيعته.. صأبرين... البعيدة مسافة أميال معدودات عن مكان تسوقه الأسبوعي...حاملا بيديه سلّة مليئة بمشتريات من  السوق القديمة للمدينة المحاصرة بالعيون الغادرة...
تنبّه محمود لما حدث له الأسبوع المنصرم كيف رعاة المستوطنين على الهضبة المقابلة لقريته أوقفوه عنوة
ونبشوا السلّة وألقوا بعضها على الأرض والبعض استحوذوا عليه كقطّاع الطرق...
فقرر أن يضع بالسلّة حجرا بيضاويا لونه يميل للحمرة كي يسهل إخفاؤه...  ليسند فيه مخاوفه عند عودته لعشّه المليء بالفراخ الجائعة والناطرة بفارغ الصبر ....
فأفلح حيث استطاع أن يهربه بحذاقته التي إكتسبها من خبرته بطريق العودة من نقطة التفتيش على المعبر بين النقاط المنتثرة بين المدن والقرى .... إلا أن حظّه كان عسيرا مع قطعان الذئاب الهائمة على سفوح التلّة المقابلة لمسكنه ... فما أن وصلوا حتّى بدأوا بنبش السلّة كعادتهم وإشتمام ما تحويه  من غذاء لفراخه الصغار ولباقي عائلته....
وهم في نهم كالوحوش ممّا يرون حتّى إستشعروا بأن ثمّة
فاكهة جديدة تتواجد بالسلّة ...
فتلمسها أحدهم سائلا ما هذا أيّها العتريس؟ لا بدّ أن هذه فاكهة  قد نزلت السوق فمن أين لك كلّ المال وأنت تدّعي نهارا جهارا بحياتك العسيرة؟ ..   
فأجابهم مرتبكا..لكن بغبائهم وبفطرة ذكائه منحوه جوابا لم يكن ليخطر بباله ...
إنّها فاكهة البقاء وحقا أنّها نادرة لجودتها  بقلع الآلام من الأرواح المقهورة وطحن الأشواك المستّبرة على هذه الأرض ...
فاستغرب وسأل مستهجنا فكيف ذلك ونحن القديسون للحياة  والأتون من أسقاع الأرض لا نعلم بوجودها.؟..
تعاظمت نباهته بعد أن إستشعر قمّة الغباء بإستهجانهم  غلوّهم وإستكبارهم...، ففّك الله عقدة لسانه وتفتحت قريحته على الكلام ...وقال ..
ربّما أنت تعشق الحياة لكن لا تقدسها  فللحياة أسباب وللأسباب مسببات وما هي إلا رسالة متكاملة
ولأجل هذا ربّما تهت عن مقاصد الحياة؟
إحتّدت ملامحه وسأل غاضبا ماذا تقصد أيّها العتريس ؟
ومن أين أتتك الجرأة لتناقش بمسائل لنا فيها كلّ المقاييس؟

فقال له عذرا فقط أردت التنبيه كي لا تأخذك الحياة بما تحويه من مغريات عابرات وتلبسك قناعا يجعلك تتصرف بخلاف إنسان يقدّس الحياة كمعنى وليس كرحلة.. .

إزداد غيظه وبدأت تلوح على وجهه صفرة السموم المبطنة بتلافيفه وقال بصوت متقرطع مّما كسر صوته المحتّد من الغضب والإستعلاء موجها إستفسار يحمل حماقته:
وما قيمة الحياة إذ لم أكون كالذهب ألمع وعدوي أقمع
كالأفعى ألدغ وكالثعلب أراوغ لأكون الأروع....  

فرّد عليه حسنا ..كل ما قلته هي وسائل إفتراضية طوّرها عقلك الهائج والغير مستّقر... على مدار العصور لتحافظ على بقاءك المادي كإنسان حّي ..
فقال هذا صحيح...
وأضاف..من قصصكم أنّكم من ذماركم فبنيتم عجلا من ذهب بعد أن إستجاب الإله لنبيكم وأغدق عليكم المّن والسلوى..

قال لإن روح يهوى تعشق الذهب وهكذا الإنسان توافد على الحياة بهذه الفطرة وهكذا أغرينا الأمم والقادة على مدار الأزمنة بصاعات ذهبية من روح الله وهكذا حتى الأن العالم يخشاني وينفذ مطالبنا...وأنت أيها العتريس بعد تجاربنا عبر التاريخ وسماع يهوى لمنشداتنا يعلو صوتك وتناقش...
فرّد عليه ....ربّما جزء من كلامك صحيح ...لكن الله يمتحن الأمم بسرائهم وضرائهم.. .
فأجاب هذا ليس صحيح نحن نغريه بصلواتنا وتعبدنا وذهبنا وهو يلبي دواعينا حتّى أنّه جعل كل الأمم تحت طوعنا يخدموننا منهم كالعبيد ومنهم طواعية وطوّعنا الجن والطير حين أمرناه بجلب  بلقيس سبأ إبنة الجن من تحت بقاع الأرض لتسلم وجهها إلينا.....
ونحن أحفاد شمشون الذي قتل الجبابرة بفلسطين بعد أن أرذلنا بالحيلة داليدا ودخلنا بيوتهم وعريناهم...
ونحن الذين أغرقنا غطرسة فرعون وعظمته بعد أن سحرنا زوجته لتحفظ نبينا  ...
فلا تدعني أن أقط عنقك لأن بحوزتي التاريخ كلّه بل أنا الذي أنجز قصص التاريخ....
بهدوء ممتعض تحت وطأة إستكباره وعنجهيته كان لا بدّ أن يقول أمرا وهو بقبضة اللعان .. .
نعم هذا صحيح لكن تبقى العبرة بالحياة المتّزنة؟
وما القصد من حصافتك المتكررة؟
فأجاب الحياة تستوفي معانيها بالنتيجة؟
فصال وجال متقمصا صبرا وغرورا....أكمل أكمل ما القصد؟
إستمّر اليابوسي بحديثه ببرودة أعصاب. ..وقال ...داليدا بنت غزة قصت شعر شمشون...
ولشمشون كانت نهايته الإنتحارية.. .
ولنبيكم موسى التيه بسيناء 
ولهيكلكم مرّة تلو المرّة هدم 
وسُبيتم من أرض كنعان إلى ما وراء النهر.....
فصااح  بوجهه كالذئب المصاب كفى أيها الحقير..
لقد طمعت الشعوب بحكمتنا مالنا وذهبنا وغزتنا بعقر بيتنا وهم المعتدون...فكيف لك أن تغيب تاريخي وتعيبه؟
بلا أيّها المسكون بالعظمة.. لكن التاريخ منقوش على الأحجار ولا نستطيع مسحه أو إخفائه.. .

المحامي لؤي بقاعي♤♤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الا يا وطني.. * * * بقلم الشاعرة المتالقة ملاك شمس ناصر

الا يا وطني..  أنت الحلم عشقناك وطناً وعشقنا الألم بحجارتك ثوراتنا و زغاريد امهاتنا تشحذُ الهمم كلنا عروسك حبك ينشده المبسم بعزمك...